شركات التكنولوجيا الكبرى واستغلال الأطفال في مناجم الكوبالت: تحديات أخلاقية تواجه صناعة الطاقة النظيفة
مع تزايد الطلب العالمي على الأجهزة الإلكترونية والسيارات الكهربائية، يبرز معدن الكوبالت Cobalt كعنصر أساسي في بطاريات الليثيوم أيون lithium-ion batteries المستخدمة في هذه التقنيات.
ومع أن الكوبالت يعدّ جزءًا أساسيًا من التحول نحو الطاقة النظيفة، إلا أن هناك وجهًا مظلمًا لعملية استخراج هذا المعدن، حيث تتعرض شركات التكنولوجيا الكبرى لانتقادات حادة بسبب ارتباط سلاسل توريدها بعمالة الأطفال في مناجم جمهورية الكونغو الديمقراطية.
تقرير منظمة العفو الدولية: عمالة الأطفال في مناجم الكوبالت
كشفت منظمة العفو الدولية في تقريرها الأخير عن حقائق مقلقة حول أوضاع العمالة في مناجم الكوبالت في الكونغو، حيث يتم استغلال الأطفال للعمل في ظروف قاسية.
الكوبالت، الذي يعدّ من المعادن الأساسية في صناعة البطاريات، يُستخرج بشكل رئيسي في الكونغو، التي تسهم بنحو 60% من إجمالي إنتاج الكوبالت في العالم , وبينما تزداد التزامات الدول والشركات بمواكبة التحول إلى الطاقة النظيفة، يتطلب هذا توافر معادن كالليثيوم والكوبالت، ما يضع مزيدًا من الضغط على هذه المناجم وزيادة الطلب عليها.
وفقًا للتقرير، يعمل الأطفال في الكونغو وسط ظروف خطرة، حيث يُجبرون على استخراج وفرز الكوبالت بوسائل يدوية، وفي بيئة مليئة بالغبار والغازات السامة , وقد أشار التقرير إلى أن بعض الأطفال العاملين في المناجم تتراوح أعمارهم بين 4 و10 سنوات فقط، وهو ما يمثل انتهاكًا صارخًا لحقوق الطفل، وفق المعايير الدولية.
شركات التكنولوجيا والاتهامات المتكررة
أظهر التقرير أيضًا أن بعض شركات التكنولوجيا الكبرى، التي تتصدر سوق الهواتف الذكية والمركبات الكهربائية، متورطة بشكل مباشر أو غير مباشر في سلاسل توريد تحتوي على الكوبالت المستخرج من الكونغو.
بينما تنفي بعض الشركات صلتها بكوبالت الكونغو، تشير تقارير إلى أن معظمها لم تتمكن من التأكد من خلو سلاسلها من الكوبالت المنتج عبر عمالة الأطفال.
ويعتبر هذا الأمر من التحديات الأخلاقية الكبيرة التي تواجه هذه الشركات، حيث يجد المستهلكون أنفسهم أمام تساؤلات حول المسؤولية الاجتماعية لتلك العلامات التجارية.
إحصاءات ودور المنظمات الدولية
تقدر اليونيسيف أن قطاع التعدين اليدوي في جمهورية الكونغو يوظف عشرات الآلاف من الأشخاص، من بينهم حوالي 40 ألف طفل. وتعمل هذه المناجم في بيئات تتسم بالخطورة العالية، حيث يتم استخدام معدات بسيطة ومعدات حفر يدوية، مع عدم توفر وسائل الحماية اللازمة. وتعاني هذه المناطق أيضًا من نقص في الرقابة الحكومية، مما يسمح بازدياد حالات استغلال الأطفال وانتهاك حقوق العمال.
وتسعى منظمات دولية مثل اليونيسيف ومنظمة العمل الدولية إلى تسليط الضوء على هذه القضية، مطالبة الشركات الكبرى باتخاذ خطوات ملموسة لضمان عدم استخدام الكوبالت المستخرج من عمالة الأطفال في منتجاتها. كما تدعو هذه المنظمات إلى تنفيذ قوانين أكثر صرامة في الدول المستوردة، لضمان أن تكون سلاسل التوريد أخلاقية وتتفق مع معايير حقوق الإنسان.
الظروف الصحية والبيئية للمناجم
يشير تقرير شبكة CBS News إلى الظروف الصعبة التي يعيشها العمال، سواء من الأطفال أو البالغين، في مناجم الكوبالت.
فالتعرض المستمر لغبار الكوبالت واستنشاق الأبخرة السامة يؤديان إلى مخاطر صحية خطيرة، بما في ذلك أمراض الرئة المزمنة التي قد تؤدي إلى الوفاة.
كما أن العمل لساعات طويلة في درجات حرارة مرتفعة وتحت ضغوط كبيرة دون تجهيزات وقائية يجعلهم عرضة للحوادث والإصابات.
وتعاني البيئة المحيطة بالمناجم من التلوث الشديد نتيجة لاستخدام مواد كيميائية ضارة.
هذه المواد تتسرب إلى مصادر المياه المحلية، مهددةً حياة المجتمعات القريبة من المناجم، ما يطرح تحديًا آخر يتوجب على الشركات إيجاد حلول له للحفاظ على سلامة هذه المناطق.
الشركات العالمية والحاجة إلى الشفافية
رغم أن بعض الشركات بدأت في اتخاذ خطوات لتحسين الشفافية في سلاسل توريدها، من خلال التحقق من مصدر الكوبالت المستخدم، إلا أن هذه الجهود لم تحقق بعد تأثيرًا ملموسًا على أرض الواقع.
إذ تواجه الشركات تحديات متعددة، من بينها تعقيد سلاسل التوريد الدولية، وصعوبة التحقق من مصادر المواد الخام في بيئات ضعيفة الرقابة، مثل الكونغو.
ويأمل نشطاء حقوق الإنسان أن يؤدي الضغط المتزايد من المستهلكين ومنظمات المجتمع المدني إلى دفع الشركات نحو تبني ممارسات توريد أكثر مسؤولية.
ومع تزايد الوعي المجتمعي، أصبحت هناك دعوات قوية للشركات بالتحقق من سلاسل توريدها، والاستثمار في البرامج التي تساعد على تحسين الظروف المعيشية للعاملين في المناجم، خصوصًا الأطفال.
خطوات نحو التعدين الأخلاقي والمستدام
يعمل البعض على تطوير تقنيات جديدة لاستخراج المعادن بطرق آمنة ومستدامة، مثل التعدين باستخدام الروبوتات ومعدات التعدين الحديثه، والتي يمكنها الوصول إلى أعماق كبيرة دون الحاجة إلى المخاطرة بحياة البشر.
كما يسعى المهتمون بالتعدين الأخلاقي إلى تعزيز برامج تعليمية وتدريبية للعائلات والمجتمعات في المناطق التي يعتمد اقتصادها على التعدين، لتقديم بدائل للأطفال بدلاً من العمل في المناجم.
ختامًا، يتطلب هذا الوضع اتخاذ إجراءات عاجلة من قبل الحكومات والشركات على حد سواء.
ففي الوقت الذي تتوجه فيه الدول نحو الاعتماد على الطاقة النظيفة، يجب أن يتم هذا التحول بطريقة تراعي حقوق الإنسان، وتلتزم بمسؤولياتها الاجتماعية والأخلاقية تجاه المجتمعات التي تعتمد عليها في توفير هذه الموارد الثمينة.