
التخدير العام يقلل من تفرد “بصمة” الدماغ الوظيفية، وفقًا لدراسة
تشير أبحاث علم النفس السابقة إلى أن مختلف الأشخاص يُظهرون أنماطًا مميزة من التفكير والعواطف والسلوكيات العفوية.
هذه الأنماط تجعل أدمغة الأفراد فريدة، لدرجة أن علماء الأعصاب غالبًا ما يستطيعون التمييز بينهم بناءً على نشاطهم العصبي.
أجرى باحثون في جامعة ماكجيل McGill وجامعة كامبريدج Cambridge ومعاهد أخرى مؤخرًا دراسة تهدف إلى التحقيق في كيفية تأثير التخدير العام على التوقيعات الفريدة للنشاط العصبي التي تميز أدمغة الأشخاص والحيوانات المختلفة.
وتُظهِر النتائج التي نُشرت في مجلة Nature Human Behavior
أن التخدير العام يعمل على قمع أنماط الاتصال الوظيفية الفريدة لكل دماغ (أي الاتصالات وأنماط الاتصال بين مناطق مختلفة من الدماغ)، سواء في البشر أو الأنواع الأخرى.
صرح أندريا لوبي Andrea Luppi، المؤلف الرئيسي للدراسة :
“كل شخص فريد من نوعه، فهو يفكر ويشعر ويتصرف بطرق فريده وهذا التفرد نابع من دماغنا , فطريقة تفاعل مناطق الدماغ مع بعضها فريدة من نوعها لكل فرد: ويمكن استخدامها كـ”بصمة دماغية“.
“ولكن عندما تفقد الوعي، على سبيل المثال أثناء النوم العميق ، يختفي إحساسك بكونك “أنت”.
الوعي -هو ما يُفقد أثناء التخدير والنوم بلا أحلام ويُستعاد عند الاستيقاظ – هو أمرٌ ذاتيٌّ بطبيعته لكل فرد
بخلاف النوم التلقائي، فإن فقدان الوعي الناتج عن التخدير (الذي يُشير إلى فقدان الاستجابة السلوكية) قابل للتحكم التجريبي: يمكن إحداثه والحفاظ عليه وعكسه بشكل موثوق.
في دراسة سابقة لبصمات الدماغ، أفادت بأنه لا يزال من الممكن التعرف على هوية الأفراد أثناء تخديرهم بالديكسميديتوميدين dexmedetomidine (مع ملاحظة انخفاض في الاختلاف بين أنماط حركة العين الحركية في كامل الدماغ لدى الأفراد)
بخلاف البروبوفول والسيفوفلوران sevoflurane and propofol (المخدران المستخدمان في الدراسة الحالية)، يُحدث الديكسميديتوميدين حالةً فسيولوجيةً مشابهةً لمرحلة النوم غير السريع في المرحلة الثالثة ، مما يحافظ على قدرة الفرد على الاستجابة السريعة والموجهة للتحفيز الخارجي وبالتالي قياس الاختلافات.
لذا، كان سؤالنا: ماذا يحدث لبصمات الدماغ عندما نفقد الوعي، كما هو الحال أثناء النوم الاصطناعي الناجم عن التخدير العام؟”
لاستكشاف آثار التخدير “anesthesia” على أنماط الاتصال الوظيفية في الدماغ، استخدم لوبي وزملاؤه تقنية تصوير شائعة الاستخدام في أبحاث علم الأعصاب تُسمى التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI).
تتيح هذه التقنية لعلماء الأعصاب مراقبة نشاط مناطق الدماغ المختلفة بمرور الوقت وبشكل غير جراحي، من خلال قياس التغيرات في تدفق الدم.
أوضح لوبي: “جمعنا صورًا للرنين المغناطيسي الوظيفي من متطوعين بشريين أصحاء قبل التخدير العام، ثم بعد فقدانهم الوعي بسبب التخدير، ثم مرة أخرى بعد استعادتهم الوعي.
في كل صورة، قمنا بقياس “الترابط الوظيفي” ‘functional connectivity’ : وهو تمثيل لكيفية تفاعل مناطق الدماغ و استخدمنا هذا الترابط الوظيفي للحصول على “بصمات الدماغ”، التي توضح لنا مدى سهولة أو صعوبة التمييز بين الأشخاص بناءً على نشاط أدمغتهم “.
من المثير للاهتمام أن فحوصات الرنين المغناطيسي الوظيفي التي جمعها الباحثون أظهرت أن نشاط أدمغة الأشخاص تحت تأثير التخدير كان مُكبوتًا.
في الواقع، جعل التخدير من الصعب التمييز بين الأشخاص بمجرد فحص نشاط أدمغتهم، وهو أمر كان ممكنًا وهم في وعيهم.
في المقابل، باستخدام بصمات الدماغ، يسهل التمييز بين الناس وهم في وعيهم، كما قال لوبي.
“هذا التأثير ليس موحدًا في الدماغ : بل هو أقوى في أجزاء الدماغ التي تنفرد بها البشرية والتي تُميزنا غالبًا عن الأنواع الأخرى وهذا يعني أنه كما أن تجربتك الواعية فريدة، كذلك أنماط الدماغ التي تدعمها, فعندما يغيب الوعي، يقل تفرد نشاط الدماغ لدى الناس أيضًا.”
جمع لوبي وزملاؤه رؤى جديدة ومثيرة للاهتمام حول آثار التخدير العام على الدماغ وأنماطه الفريدة من النشاط العصبي .
في المستقبل، قد تُلهم نتائج دراستهم المزيد من الأبحاث المشتركة بين الأنواع التي تدرس الدماغ قبل وأثناء وبعد إعطاء التخدير، مما قد يُسهم بدوره في تطوير تدخلات تُسهّل إعادة تأهيل كلٍّ من البشر والحيوانات بعد الإجراءات الطبية التي تتطلب التخدير.
أضاف لوبي: “أنا مهتم جدًا بالمقارنات بين البشر والأنواع الأخرى. التخدير مُحافظ عليه لدى جميع الأنواع، لذا يُمكننا أن نتعلم الكثير منها عن كيفية تأثيره على الدماغ.
في النهاية، آمل أن نتمكن، من خلال معرفة كيفية إعادة تنشيط الدماغ للوعي بعد التخدير ، من تعلم كيفية مساعدة المرضى الذين يعانون من الغيبوبة وغيرها من أشكال فقدان الوعي المزمن بعد إصابة دماغية على استعادة وعيهم.”
ما هو الفرق العصبي بين التخدير والنوم؟