
أضرار الألبان على الصحة: نظرة علمية مدعّمة بالمصادر
مقدمة
لطالما كانت منتجات الألبان جزءًا أساسيًا من النظام الغذائي للإنسان منذ آلاف السنين، خصوصًا في الثقافات التي تعتمد على حليب الأبقار والماعز كمصدر رئيسي للكالسيوم والبروتين.
ومع ذلك، بدأت بعض الدراسات الحديثة والتوجهات الغذائية في التشكيك بمدى صحة الاستهلاك المستمر والمفرط للألبان، مشيرةً إلى ارتباط محتمل بين الحليب وبعض المشاكل الصحية.
فهل الحليب صحي كما نظن، أم أن له أضرارًا يجب أن تؤخذ بجدية؟ في هذه المقالة، سنستعرض الأضرار المحتملة للألبان بناءً على الدراسات والأبحاث الحديثة.
1. عدم تحمّل اللاكتوز
واحدة من أكثر الأضرار شيوعًا المرتبطة بالألبان هي عدم تحمّل اللاكتوز، وهي حالة تصيب ملايين الأشخاص حول العالم. تحدث هذه الحالة نتيجة لنقص إنزيم “اللاكتاز” اللازم لهضم سكر اللاكتوز الموجود في الحليب.
الأعراض الشائعة:
-
الغازات
-
الانتفاخ
-
الإسهال
-
تقلصات في البطن
تشير التقديرات إلى أن حوالي 68% من سكان العالم يعانون من درجة ما من عدم تحمّل اللاكتوز.
(المصدر: National Institutes of Health – NIH)
تنتشر هذه الحالة بشكل خاص في شرق آسيا، وأفريقيا، والشرق الأوسط.
2. الارتباط بأمراض القلب والكوليسترول
منتجات الألبان كاملة الدسم تحتوي على كميات كبيرة من الدهون المشبعة، والتي ترتبط بزيادة مستويات الكوليسترول الضار (LDL) في الدم، ما يرفع من خطر الإصابة بأمراض القلب.
وجدت دراسة نُشرت في The American Journal of Clinical Nutrition عام 2010 أن الاستهلاك المرتفع للدهون المشبعة، خاصة من الألبان، يرتبط بزيادة خطر أمراض القلب التاجية.
(المصدر: AJCN Study 2010)
رغم ذلك، لا يزال الجدل قائمًا بين الباحثين حول مدى تأثير الألبان مقارنة بأنواع الدهون الأخرى، لكن يُنصح عمومًا بالاعتدال في استهلاك الدهون المشبعة.
3. المشاكل الجلدية وحب الشباب
تُشير بعض الدراسات إلى أن الحليب، خاصةً منزوع الدسم، قد يكون له دور في زيادة احتمالية الإصابة بحب الشباب، خصوصًا بين المراهقين.
في دراسة أجريت على أكثر من 47,000 مراهق ونُشرت في Journal of the American Academy of Dermatology، وُجد ارتباط واضح بين استهلاك الحليب وخطورة الإصابة بحب الشباب.
(المصدر: JAAD Study)
السبب المحتمل هو تأثير الحليب على مستويات الأنسولين والهرمونات مثل IGF-1 التي تحفّز إفراز الزيوت في الجلد.
4. التأثيرات الهرمونية
يحتوي الحليب الطبيعي على كميات صغيرة من الهرمونات مثل الإستروجين والبروجسترون، خاصةً إذا تم الحصول عليه من أبقار حامل أو مُعالجة بهرمونات النمو.
هذه الهرمونات قد تؤثر على التوازن الهرموني في جسم الإنسان، وخصوصًا لدى الأطفال أو الأفراد الحساسين هرمونيًا. كما ربطت بعض الدراسات بين استهلاك كميات كبيرة من الحليب وزيادة خطر بعض أنواع السرطان المرتبط بالهرمونات مثل سرطان البروستاتا وسرطان الثدي.
دراسة من Harvard School of Public Health أشارت إلى أن استهلاك الحليب قد يزيد من خطر سرطان البروستاتا بسبب محتواه من IGF-1.
(المصدر: Harvard Study)
5. هشاشة العظام: المفارقة الغريبة
رغم أن الحليب يُروَّج له كمصدر أساسي للكالسيوم الذي يقوّي العظام، فقد أظهرت بعض الدراسات أن الاستهلاك العالي للألبان لا يقلل بالضرورة من خطر هشاشة العظام أو الكسور، بل على العكس، هناك دراسات تربط بين الإفراط في شرب الحليب وزيادة معدلات الكسور.
في دراسة سويدية طويلة الأمد نُشرت في BMJ عام 2014، وُجد أن النساء اللواتي شربن 3 أكواب أو أكثر من الحليب يوميًا كان لديهن معدل أعلى للكسور مقارنة بمن يشربن أقل.
(المصدر: BMJ Study)
ويُرجّح الباحثون أن السبب يعود إلى التأثيرات الالتهابية لبعض مكونات الحليب، أو إلى اختلال في توازن المعادن مثل الفوسفور والكالسيوم.
6. الألبان والسرطان
تشير دراسات متعددة إلى أن بعض أنواع السرطان، خصوصًا سرطان البروستاتا وسرطان المبيض، قد تكون مرتبطة بالاستهلاك المرتفع للألبان.
-
سرطان البروستاتا: أظهرت مراجعة منهجية نُشرت في American Journal of Clinical Nutrition عام 2015 أن الرجال الذين يستهلكون كميات كبيرة من الحليب قد يكونون أكثر عرضة للإصابة بسرطان البروستاتا.
(المصدر: AJCN Meta-analysis) -
سرطان المبيض: بعض الدراسات ربطت بين اللاكتوز وخطر الإصابة بسرطان المبيض بسبب تأثيره على المبايض والتهابات الأنسجة.
7. التلوث البيئي والسموم
تحتوي بعض منتجات الألبان، خاصةً غير العضوية، على بقايا مبيدات حشرية، ومضادات حيوية، وهرمونات صناعية تُعطى للأبقار لزيادة إنتاج الحليب. هذه المواد قد تترك آثارًا ضارة على المدى الطويل.
كما وُجد أن بعض أنواع الجبن والحليب تحتوي على نسب من الديوكسينات، وهي مركبات كيميائية سامة يمكن أن تؤثر على المناعة والخصوبة.
وفقًا لتقرير منظمة الصحة العالمية (WHO)، فإن الديوكسينات تتراكم في الدهون الحيوانية، وقد يؤدي التعرض الطويل لها إلى مشاكل صحية مزمنة.
(المصدر: WHO Fact Sheet)
البدائل الصحية للألبان
لحسن الحظ، هناك بدائل طبيعية وصحية للحليب البقري، منها:
-
حليب اللوز
-
حليب الشوفان
-
حليب جوز الهند
-
حليب الصويا (يفضل العضوي)
هذه البدائل خالية من اللاكتوز، وأقل في الدهون المشبعة، ويمكن تقويتها بالكالسيوم وفيتامين D لتكون بديلًا مغذيًا.
خاتمة
الألبان ليست “عدوًا صحيًا” بالضرورة، لكنها ليست مثالية للجميع أيضًا. تختلف استجابة كل شخص لها حسب عوامل مثل الجينات، الحساسية، والظروف الصحية العامة. الدراسات الحديثة تشير إلى أن الاعتدال في استهلاك الحليب، واختيار أنواعه بعناية (مثل العضوية وقليلة الدسم)، قد يكون أفضل من الاعتماد عليه كمصدر رئيسي للتغذية.
في نهاية المطاف، الخيار الصحي يتطلب وعيًا شخصيًا ومتابعة علمية مستمرة.
ومن المهم دائمًا استشارة الطبيب أو أخصائي التغذية قبل إجراء تغييرات جذرية في النظام الغذائي.
المراجع
-
NIH – Lactose Intolerance Overview
https://www.ncbi.nlm.nih.gov/books/NBK532285/ -
Harvard T.H. Chan School of Public Health – Dairy and Health
https://www.hsph.harvard.edu/nutritionsource/food-features/dairy/ -
AJCN – Dairy and Prostate Cancer Risk
https://academic.oup.com/ajcn/article/101/1/87/4564496 -
BMJ Study – Milk Intake and Mortality
https://www.bmj.com/content/349/bmj.g6015 -
WHO – Dioxins
https://www.who.int/news-room/fact-sheets/detail/dioxins-and-their-effects-on-human-health
انواع طعام تحتوي علي كالسيوم اكثر من اللبن